* وحدة اللغة تعني وحدة الامة :-
اللغة سلاح فعال وعنصر استراتيجي في احياء الامم واقامة الحضارات كما انها تشكل الجغرافية البشرية والسياسية للعالم، لذا ينبغي ان نخصص كل قدراتنا لقضية اللغة الكوردية الموحدة ولا نسمح بخلاف ذلك لمن يعتبر هذا الموضوع ترفاً في الوقت الحاضر باعتبارنا مشغولين بامور اخرى.
ان وحدة الشعب الكوردي لن تكون قائمة ما لم تبن على الوحدة الثقافية، ووعاء الثقافة هي اللغة، من اجل كل هذا لابد من مبادأة تظهر في هذا الخصوص يشترك فيها كل اطراف العلاقة ليرتضوا بنتائجها ويقوموا بتنفيذها بعد ان يضعوا المصلحة العليا للشعب الكوردي فوق جميع الاعتبارات الضيقة وبما يتلاءم مع مقتضيات العصر الحديث.
اننا نعرف ان القومية لها مقومات عديدة من وحدة التراث ووحدة التكوين النفسي والتلاحم الجغرافي الى اخره.. ولكن اهم مقوم هو عنصر اللغة الذي يلعب الدور الاكبر بين هذه العناصر مجتمعة في توجيه امة ما.. ذلك ان اللغة الواحدة هي من ناحية عنصر اساسي في حد ذاته وهذا الامر لا يحتاج الى تدليل ولكنها من ناحية اخرى هي المفتاح الاكبر لسائر العناصر، فوحدة التراث والتاريخ تكون اقوى دافع واقدر على مقارعة الظروف اذا كانت محفوظة في وعاء لغة واحدة .. قد يعاتبني وينتقدني البعض وقد يعتبرها الاخرون مجازفة للخوض في غمار هذا الامر الجوهري والشائك والمثير في ذات الوقت اعتقادا منهم بأن الوقت لم يحن للحديث في مثل هذا الموضوع.
ولكني لست وحدي من يطرح هذا التساؤل ، حيث ان الكثيرين يشاركونني في الرأي خاصة بعد ان نفد صبر كل من يستشعر به، وبعد ان ارتفعت الهمة الى السؤال عن اسباب السكوت على مثل هذا الامر الحساس الذي ينتظره الكل ومنذ امد بعيد.
ولكن السكوت ليس دوما علامة الرضا او دليل الصواب كما يعتقد، فالمصلحة القومية تفرض الخروج من الشرنقة والسبات الطويل والحديث الامر اليوم وليس الغد لانه يتعلق بصميم الوجود القومي.
ونافل القول ان هناك اسباباً اخرى تدفعني وتشجعني للكتابة حول هذا الموضوع المهم والخطير وفي هذه المرحلة بالذات منها التبرم الذي اداه احد العاملين في سلك التربية على احدى الفضائيات الكوردية حول عدم جواز تفضيل او فرض لهجة معينة على اخرى سواء في التربية والتعليم وهو امر يثير القلق، اما الاكثر خطورة فهو كثرة التداعيات والمفاجآت التي تتوالى في الشأن الكوردي في الآونة الاخيرة فلا يكاد يوم يمر الا ويخرج لنا مفاجأة جديدة من قبل الفئة التي طفحت على السطح مؤخرا لاكمال وتمرير مخططات من سيتفهم، فأخذوا ينصبون العداء والافتراء عليه، فما ان خاب ظنهم حتى اللجوء الى اسلوب اكثر شوفينية، فبالامس القريب اطل علينا على الفضائية (المستقلة) شلة من الحاقدين يتزعمهم نبيل الجنابي وقاسم بريسم فتجاوزوا على الكورد ثم اردف قاسم قائلا دون العودة الى العقل والفكر والمنطق لاتوجد لغة كوردية وانما هناك عدة لغات تتحدث بها مجموعة من الفئات بحيث يصعب التفاهم بينهم او بالأحرى مجموعة من الناس المختلفة بعضها عن بعض، ورغم ما في هذه الكلمات من عدم وعي الا انها تكشف من ناحية عن واقع حقيقي وهو ان الكورد يفقدون لغة قومية مشتركة، ولكن كل الشواهد تؤكد ان ما قاله ليس مجرد زلة لسان بل انه تمادي فكر معين محبوك كما لاتبدو عليها التلقائية او كما يقال حرية الرأي او التعبير والفكر بل يبدو جيدا ان ثمة خطة واضحة المعالم تم تدبيرها بكل دهاء وخبث منذ عهد النظام السابق ويدعون الى احيائها مرة اخرى وباصدار اكثر لاحداث شرخ في اهم مقوم من مقومات القومية لابل الامة (وهو اللغة) لتشتيت الكورد الى طوائف وفئات فعلى الكورد ان يكونوا حذرين من طرح مثل هذه الافكار واعتبارها منطقة محظورة لابل محرمة يمنع الاقتراب منها لانها قضية موت او حياة.
ومن المؤسف ان تستقبل الفضائية المذكورة اناسا كمتحاورين لايفرقون بين اللغة التي تعتبر من مقومات الامة واللهجة التي تكون جزءاً من اللغة ونسى المتحاورون ان العرب الى يومنا هذا يتحدثون باكثر من عشرين لهجة وحتى يصعب فهم البعض منها من قبل الاكثرية، وان الدين الاسلامي ونزول القرآن الكريم باللغة العربية وبالذات بلهجة اهل قريش انقذهم من تعدد اللهجات في الكتابة والمعاملات الرسمية وجعل لهم لغة موحدة (الفصحى) ولولاها لضلوا كما كانوا في الجاهلية ورغم ذلك ماتزال اللهجات لغة المخاطبة والفهم في الحياة العامة وحتى معظم وسائل الاعلام وحاول بعض الكتاب التأليف باللغة العامية امثال الكاتب المصري المتهور لويس عوض.
الكورد لا ينكرون انهم يتحدثون بأكثر من لهجة (الكرمانجية- السورانية- الزازكية- الكورانية) اسوة ببقية شعوب العالم ، ولكن هناك اسباباً عدة دعت الى نمو وبقاء هذه اللهجات وعدم وجود لغة قومية مشتركة ولكن اكثرها خارجة عن ارادة الشعب الكوردي فهناك اسباب داخلية وخارجية فأولها التضاريس الارضية (طبوغرافية) لكوردستان جراء الحواجز الطبيعية كالجبال والوديان والانهار والطرق الوعرة وانعدام وسائل الاتصال الحديثة الا في الاونة الاخيرة، فضلا عن الحدود والحواجز المصطنعة من قبل الدول المحتلة لكوردستان التي ادت كلها الى صعوبة الاحتكاك وقلة الاختلاط والتواصل وبعد انتشار وسائل الاعلام وطرق المواصلات اصبحت هذه اللهجات متقاربة ومفهومة لدى غالبية الجيل الحالي ومن الاسباب الاخرى التي اسهمت في تغذية وابقاء اللهجات هي التقسيم الاول لكوردستان بين كل من الدولة العثمانية والصفوية اثر معاهدة زهاب بعد معركة جالديران 1514م والتقسيم الثاني لكوردستان بعد الحرب العالمية الاولى اثر معاهدة سايكس بيكو واللتان حالتا دون قيام كيان كوردي مستقل يتمكن من توحيد اللهجات في لغة موحدة ، وعقد الموقف اكثر حين دعي الكورد يعيشون مع مجتمعات اخرى غير كوردية قامت بفرض لغتها عليهم (العربية- الفارسية- التركية) ومنعوا الدراسة باللغة الكوردية ومازال الوضع قائما في معظم اجزاء كوردستان، ولا ننسى ان دخول الكورد والاسلام في العقد الثاني من القرن السابع اثر تأثيرا مباشرا على تفضيل اللغة العربية خاصة في الكتابة (باعتبارها لغة القرآن الكريم) على اللغة الكوردية حتى ان بعض المسلمين ذهبوا الى القول بأن اللغة العربية هي لغة اهل الجنة، ولا ننسى الدور المظلم للدولة العثمانية كل هذه العوامل مجتمعة اسهمت في عدم ايجاد لغة مشتركة ومن المؤكد اننا لانبري ساحة المثقفين واللغويين الكورد من هذا التقصير سابقا وحاليا.
اذا فالكورد مدعوون اليوم اكثر من اي وقت مضى للسعي الى توحيد اللهجات الكوردية في لغة قومية مشتركة (فصحى) مع القواعد اللغوية والصوت وهي مهمة قومية وتاريخية وتعبر عن الانتماء القومي وامل كل كوردي في قرار نفسه وفي نموه الوجداني والفكري مع اسس انشاء (المجمع اللغوي الكوردي) وتقع مهمة او تبني القرار بالدرجة الاولى على عاتق اقليم كوردستان ولاسيما وزارتي التربية والتعليم وكذلك المثقفون واللغويون والمعنيون الكورد في جميع ارجاء كوردستان بالدرجة الثانية وذلك عن طريق لجنة عليا متخصصة في اللغة واللسانيات والاصوات وكل اختصاص تحتاجه المهمة على المستوى الاقليمي والقومي من كل ابناء اللهجات وبالتعاون مع مراكز الدراسات الكوردية في كل من فرنسا ودول الاتحاد السوفيتي السابق مع تأليف لجان فرعية مهنتها التجوال في قرى ومدن كوردستان للتوصل الى اللهجات الكوردية الاصيلة بعيدا عن الكلمات الدخيلة التي دخلت في كل اللهجات لوضع اسس للغة قومية موحدة وعلى اسس علمية مجردة للمخطابات والمعاملات الرسمية والتربية والتعليم لتعزيز الحس القومي (نحن لاندعو الى الغاء اللهجات الموجودة) على ان يتم العمل بتجرد وبعيدا عن الوصاية والاجندة السياسية ووضع المصلحة القومية فوق كل المصالح الذاتية واللهجوية والعشائرية وبعيدا عن العواصف والرغبات ومهما تكن وان لايكون تحدث الاكثرية بلهجة معينة او تقدم لهجة في الوقت الحاضر مبررا لاقصاء او فرض لهجة على اخرى لأن ذلك قد يؤدي الى التبرم والكورد في غنى عنه في الوقت الحاضر.
نحن نعلم ان العملية ليست سهلة وتحتاج الى جهود كبيرة ودعم مادي ومعنوي مع بعض التنازلات والتضحيات من اصحاب اللهجات ولكن للضرورة احكاما وليس من المصلحة القومية المماطلة او التأجيل اكثر من هذا الوقت وبخلافه سيأتي يوم سنندم ولات حين فمن شأن هذا الوضع القائم واستمراره لمدة اطول في نظر البعض قد يؤدي الى تفتيت الكورد وان تتحول هذه اللهجات الى طوائف وقوميات مستقلة ، او بالاحرى تمزيق الشعب الكوردي الواحد الى قوميات متعددة، خاصة وان اعداء الكورد التقليديين اخذوا يحذون ذات اسلوب الحكومات السابقة بتحريض وتغذيه سلخ بعض الفئات الكوردية من قوميتهم ودفع بعض الاصوليين واصحاب المصالح الذاتية فهم من الايزديين والشبك باعلانهم بأنهم قوميات مستقلة لاعلاقة لهم بالكورد بعد دعم مادي ومعنوي من اناس معروفين وبتأييد من احدى دول الجوار، ولكن التجربة الكوردية التاريخية للكورد تؤكد انه داخل الكورد عوامل وحدة على مر الزمن اقوى من كل هذا فيما اذا بدت مثل هذه المظاهر ورغم ذلك انه جرس انذار لمن له اذان ليسمع وعينان ليرى.
اما بالنسبة الى الابجديات فأن الكورد يستخدمون حاليا ثلاث ابجديات العربية في العراق وايران واللاتينية في كل من تركيا وسوريا. الروسية من قبل الجاليات الكوردية في دول الاتحاد السوفيتي السابق وفي اعتقادي ان الابجدية اللاتينية هي الافضل وتمثل التلفظ والصوت الكوردي اكثر من بقية الابجديات ولكن يفضل الامر كما هو عليه الان خوفا من فتح باب جديد لاعداء الكورد وربطه بالدين ليس من السهل غلقه. فلا ادري هل ان المعنيين سيقرأون ما كتب ويقلبون خطط واحلام الاعداء رأسا على عقب او نعيش في ذات الدوامة ولكننا نقول يذهب الاشخاص وتبقى المآثر.