الزواج و الطلاق فى المسيحية
تناول الاعلام بكل اشكاله فى الآونة الاخيرة موضوع " الزواج و الطلاق فى المسيحية " و تحدث البعض ممن هم على دراية و علم بالشرائع المسيحية و التعاليم المقدسة فى هذا الشان ، كما تحدث فى هذا الموضوع من هم لا يعرفون اى شىء عن المسيحيه و شرائعها و تعاليمها المقدسة الساميه .
و فى هذا الموضوع المتواضع سنوضح القليل من المفهوم المسيحى للزواج ، عن طريق عدة مقالات ستُكتب تباعاً
ما هو الزواج فى المسيحية ؟
الزواج فى المسيحية سر .. سر مقدس من أسرار الكنيسة ، و سر الزيجة فى الكنيسة الارثوذكسية هو هذه الرابطة الروحية المقدسة اتى تتم بفعالية نعمة الروح القدس التى تنحدر من السماء .
يقول سيدنا له المجد "« من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته ويكون الاثنان جسدا واحدا . إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان » (1) و جاء على فم القديس بولس الرسول "من أجل هذا يترك الرجل أباه وأمه ويلتصق بامرأته، ويكون الاثنان جسدا واحداهذا السر عظيم، ولكنني أنا أقول من نحو المسيح والكنيسة " (2)
فالزيجة المسيحية ليست مجرد عقد أو إتفاق يبرم بين رجل و إمرأه يريدان أن يعيشا معاً و يشارك احدهما الآخر الحياة كلها او فترة منها ، كما هو الحال فى العقد المدنى أو ما فى حكمه ، إنما هو رباط إلهى ، بل ( إتحاد ) مقدس يعقده الروح القدس بطريقة روحية ، و فاعلية سرية غير منظورة ، فيصيران بها جسداً واحداً على الرغم من تمايزهما الظاهر ، وبهذا يصير جسد المرأه للرجل ، كجسده تماماً ، و يصير جسد الرجل للمرأه كجسدها تماماً (3) .
يقول العلامة القديس أكليمنضس الاسكندرى ( نحو 150 – 220م ) " من هما الاثنان او الثلاثة الذين يشرعون فى الاجتماع معاً بإسم المسيح ، و فى وسطهم الرب ؟ أليس الثلاثة هم الرجل و المرأه و الطفل ، حيث أن المرأه يربط الله بينها و بين الرجل " (4)
و يقول العلامة اوريجينوس ( 185 – 253 م ) : " يقيناً أن الله هو الذى يجعل الاثنين واحداً ، فإذا زوج الله المرأه بالرجل ، فلا يكونان بعد اثنين ، وحيث أن الله هو الذى جمع بينهم ، فإن هذا الجمع نعمة من الله تجمع بينهم .. و قد عرف بولس ذلك ، و لذلك يقول : " لأني أريد أن يكون جميع الناس كما أنا. لكن كل واحد له موهبته الخاصة من الله. الواحد هكذا والآخر هكذا" (5)
فللزواج المسيحى كرامته " ليكن الزواج مكرما عند كل واحد، " (6) و قد جاء فى قوانين مجمع غنغرة GANGARA الذى أنعقد فى غنغرة عاصمة بفلاجونيا PAPHLAGONIA فى آسيا الصغرى نحو سنة 340 م أكثر من قانون يدافع عن كرامة سر الزيجة و يشجب نظرة بعض الهراطقة الذين نادوا بتحريم الزواج و العلاقات الزوجية بين الرجل و زوجته .
الفارق بين الزواج المسيحى و الزواج المدنى
يبدوا فى الزواج المسيحى الفارق الهائل بين عقد دينى يجرى للرجل و المرأه بمعرفة الكاهن كممثل للسلطة الالهيه ، و تنحدر فيه نعمة الروح القدس على العروسين ، فتربط بينهما ربطاً إلهياً مقدساً ، فيصيران بفعالية الروح القدس المنحدر من السماء جسداً واحداً ، و بين الزواج المدنى ، و ما هو فى حكم الزواج المدنى .. حتى لو حضر هذا الزواج رجل دين او عالم دين ، طالما حضوره بمثابة ( شاهد ) على صحة الزواج من حيث انه لا يدخل فى نطاق المحرمات و طالما لا يقوم بمراسم دينية و طقوس و صلوات .
يقول القديس اغناطيوس الشهيد ، الشهير بالنورانى او المتوشح بالله ( المستشهد نحو 110 م ) : " يجب على الرجال و النساء الذين يرغبون فى الزواج ان يعقدوا اتحادهم بموافقة الاسقف ، حتى يكون زواجهم وفقاً لإرادة الرب و ليس بدافع الشهوة ، وليعمل كل شىء لاجل مجد الله " (7)
كذلك يتضح الفرق بين الزواج المسيحى الذى يعقد فى الكنيسة بمعرفة الكاهن كممثل للسلطة الالهية ، و بين انواع اخرى من الزواج التى تُباشر فى سائر بلاد المعمورة ، مما تقره تلك المجتمعات ، و فيها الزواج العرفى ، والزواج بالخطف ، والزواج بالتراضى الثنائى بين الرجل و المرأة – و انواع اخرى من الزواج قد تُعلن أو لا تُعلن امام شهود قليلين اوكثيرين ، من بينهم احياناً رجل دين و لكن غذا حضر فيكون بمثابة ( شاهد ) ، فلا يمارس طقوساً أو صلوات كالتى يمارسها الكاهن فى طقس الزيجة المسيحى ..
كل تلك الانواع من الزواج ، هى زيجات يقرها المجتمع و يعترف بها ، و لذك فهى زيجات شرعية فى المجتمع الخارجى ، اما فى نظر الكنيسة فهى زيجات و إن كان لها إحترامها من حيث هى أوضاع اجتماعية مشروعة ، لكنها لا ترقى الى مرتبة السر المقدس الذى تنحدر فيه نعمة الروح القدس لتربط ربطاً إلهياً مقدساً بين الرجل و المرأة لتجع منهما جسداً واحداً ، و بهذا الربط المقدس وحده ، تحل المرأة للرجل ، ويحل الرجل للمرأة فى الكنيسة الارثوذكسية ، و من دونه لا تكون العلاقة بين الزوجين مشروعة كنسياً و إلهياً .
حتى انك تجد من كلمة زوج ( ζεΰγος ) ZEUGOS ، الصفة : SYZYOS التى قد تُعنى زميل النير ، أو الشريك ، أو الزوجة ، وهى تُعنى حرفياً ( المربوطان معاً ) ( 8 )
و قد جاء فى الوصية التى تتلى على العروسين فى وقت الاكليل :
" إنما خُلقت المرأة من ضلع الرجل لتكون تحت حوزه و أمره ، و ليكون هو أيضاً حنوناً عليها (9) و شفوقاً بها ، و لا يهملها ، ولا ترتفع هى أيضاً عليه ، بل ينبغى ان تكون مطيعة له ، و ليكونا كلاهما متفقين بالعقل و المحبة و الرأى السديد ، و لا ينفرد احدهما برأى دون صاحبه ، تكون ذريتهما صالحة مباركة ... فيجب عليكما ان يعرف بعضكما حق بعض ، و يخضع كل منكما لشريك حياته .. "
و طالما أن الزواج المسيحى سر مقدس و رباط الهى جمع بين العروسين ، الرجل و المراة فصارا متحدين بجسد واحد بفعل نعمة الروح القدس التى تنسكب عليهما فى صلوات الاكليل ، فإن هذه الرابطة المقدسة الالهية ، أبدية لا تقبل الانحلال .
و من هنا فإن الزيجة المسيحية لا تقبل الانفصال ، و لا تبيح الديانة المسيحية الطلاق لا بالارادة المنفردة لاى من الزوجين ، ولا بالارادة المتفقة بين الزوجين معاً ، لان الزيجة المسيحية من حيث انها سر مقدس ، اصبح الله فيها طرفاً ثالثاً إذ هو الذى يجمع بين الزوجين كقوله له المجد " إذا ليسا بعد اثنين بل جسد واحد. فالذي جمعه الله لا يفرقه إنسان» (10)فكيف يجوز التفريق بين الرجل و زوجته من دون أن يُستأذن الله أولاً ؟ و لما كان الكهنوت هو الممثل للسلطة الالهية ، لذلك لا يباح الطلاق فى المسيحية إلا بإذن من السلطة الدينية ممثلة فى الرئاسة الدينية و المجلس الاكليريكى .
و المجلس الاكليريكى مقيد بالإرادة الالهية التى لا تسمح بالطلاق الا لسببين رئيسين :
السبب الاول هو الزنى ، و ما هو فى حكم الزنى :
قال سيدنا : "وأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا بسبب الزنا وتزوج بأخرى يزني والذي يتزوج بمطلقة يزني " (11)و قال أيضاً تبارك اسمه فى عظته على الجبل : "وأما أنا فأقول لكم: إن من طلق امرأته إلا لعلة الزنى يجعلها تزني ومن يتزوج مطلقة فإنه " (12) .. فلماذا الزنى ؟ .. الزنى نجاسة ، والنجاسة تتعارض مع قداسة الله ، فالله القدوس ( لا 11 : 44-45 ) ، ( لا 20 : 26 ) ، ( لو 1 : 35 ) ، ( 1 بط 1 : 16 ) كيف يقبل فعل الدنس و النجاسة ؟ إن روح الله القدوس يفارق ( 1 صم : 16 : 14 ) ، ( 1 صم : 18 :12) ، ( 1صم : 28: 15) و من ثم يجوز عندئذ طلب الطلاق بالارادة المنفردة لاحد الزوجين أو بالارادة المتفقة منهما معاً .
السبب الثانى هو الموت ، ما هو فى حكم الموت :
يقول الكتاب المقدس على فم الرسولالقديس بولس : "المرأة مرتبطة بالناموس ما دام رجلها حيا. ولكن إن مات رجلها فهي حرة لكي تتزوج بمن تريد في الرب فقط. " (13) و يقول أيضاً : "فإن المرأة التي تحت رجل هي مرتبطة بالناموس بالرجل الحي. ولكن إن مات الرجل فقد تحررت من ناموس الرجل.فإذا ما دام الرجل حيا تدعى زانية إن صارت لرجل آخر. ولكن إن مات الرجل فهي حرة من الناموس حتى إنها ليست زانية إن صارت لرجل آخر. " (14)
و يدخل فى حكم الموت ، إعتناق دين آخر ، و الغيبة المنقطعة .
و من غير هذين السببين الاساسيين ، و ما هو فى حكمهما ، نقرر ان الرابطة الزوجية فى المسيحية رابطة ابدية ، و معنى انها ابدية ، أنها تمتد طول الحياة ، فكل من الرجل و رزوجته شريك للآخر مدى الحياة
و يقول الكتاب المقدس : " وأما المتزوجون فأوصيهم لا أنا بل الرب أن لا تفارق المرأة رجلها.وإن فارقته فلتلبث غير متزوجة أو لتصالح رجلها. ولا يترك الرجل امرأته. (15)
و يقول ايضاُ : "أنت مرتبط بامرأة فلا تطلب الانفصال. أنت منفصل عن امرأة فلا تطلب امرأة. " (16) .
________________________
(1)مت 19: 5-6 ، مر 10: 7-9 ، يقرأ هذا الفصل من الانجيل فى قداس الاكليل
(2)أف 5 : 31-32
(3) موسوعة الانبا غريغوريوس – اسرار الكنيسة السبعة IIII – ص 10
(4)أكليمنضس : كتاب المنوعات STROMATEIS ( 3 ، 10 ، 68 ، 1 )
W.A. JURGENS, THE FAITH OF THE FATHER, Vol. I . P . 182 .
(5) 1 كو 7 : 7 ، أوريجينوس فى تفسيرة على انجيل متى 14 : 16
W.A. JURGENS, vol . 1, P. 211 .
(6)عب 13 : 4
(7)رسالته الى بوليكاريوس فصل 5 : 2 ، W.A . JURGENS, Vol. I . P 26
( 8 )القاموس الموسوعى لمفردات العهد الجديد – ص 262
(9)و لهذا لم تخلق حواء من رجلى آدم أو قدميه حتى لا يدوسها أو يحتقرها ، بل من " ضلعه " حتى يحنو عليها ، فالضلوع دائماً مركز الحنان و الحماية و الرعاية
(10) مت 19 : 6 ، مر 10 : 9
(11)مت 19 : 9
(12) مت 5 : 32 ، راجع أيضاً : مر 10 : 11 -12 ، لو 16 : 18
(13)1كو 7: 39
(14)رو 7: 2-3
(15)1كو 7: 10-11
(16)1كو 7: 27