عراق المستقبل
عراق المستقبل
عراق المستقبل
هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.


منتديات عراق المستقبل
 
الرئيسيةرسالة اداريةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
صدى الصمت
Adminstrator
مــــــشـــــرفـــــة
Adminstrator مــــــشـــــرفـــــة
صدى الصمت


انثى
عدد الرسائل : 265
العمر : 39
نقاط : 5929
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Empty
مُساهمةموضوع: من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى   من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Emptyالسبت 24 يناير 2009 - 7:54


القراءة الربّية
من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى




الفهرس

مقدّمة
1- متّى الإنجيلي 9: 9- 13
2- البشارة ليوسف 1: 18- 24
3- قدوم المجوس 2: 1- 12
4- يسوع في مصر والناصرة 2: 13- 23
5- رسالة يوحنّا المعمدان 3: 1- 12
6- إعتماد يسوع 3: 13- 17
7- تجارب يسوع 4: 1- 11
8- دعوة التلاميذ الأوّلين 4: 12- 23
9- التطويبات 5: 1- 12
10- ملح الأرض ونور العالم 5: 13- 16
11- الشريعة الجديدة 5: 17- 37
12- سمعتم أنّه قيل 5: 38- 48
13- الصدقة والصلاة والصوم 6: 1- 18
14- بيت مفتوح 10: 37- 42
15- يسوع ويوحنّا المعمدان 11: 2- 11
16- وحي الله للصغار 11: 25- 30
17- خرج الزارع ليزرع 13: 1- 23
18- الحنطة والزؤان 13: 24- 43
19- السعي وراء الكنز 13: 44- 52
20- معجزة الخبز 14: 13- 21
21- يسوع يمشي على الماء 14: 22- 33
22- المرأة الكنعانيّة 15: 21- 28
23- بطرس يشهد ليسوع 16: 13- 20
24- الإنباء الأوّل بالآلام 16: 21- 27
25- التجلّي 17: 1- 9
26- النصح الأخوي 18: 15- 20
27- المغفرة في قلب العالم 18: 21- 35
28- مثل العَمَلة وأجرتهم 20: 1- 16
29- مثل الإبنين 21: 28- 32
30- مثل الكرّامين القتلة 21: 33- 43
31- وليمة الملكوت 22: 1- 14
32- إداء الجزية 22: 15- 21
33- أكبر الوصايا 22: 34- 40
34- رياء الكتبة والفرّيسيين 23: 1- 12
35- السهر الدائم 24: 36- 44
36- مثل العذارى 25: 1- 13
37- مثل الوزنات 25: 14- 30
38- الدينونة العظمى 25: 31- 46
39- آلام يسوع الفصول 26 و27
40- الإنتصار على الموت 27: 45- 54
41- القيامة 28: 1- 10
42- ظهور يسوع في الجليل 28: 16- 20
خاتمة




مقدّمة

وُلد هذا الكتاب من حاجة ماسّة لدى الشبيبة: كتب التفسير صعبة وطويلة. أعطونا كتابة سهلة وقصيرة تغذّي يومنا أو أقلّه أسبوعنا. لهذا قدّمنا للمؤمنين سلسلة "القراءة الربيّة".
عبارة "القراءة الربيّة" لم تولد اليوم. فقد وردت أوّل ما وردت عند أوريجانس إبن الإسكندرية (في مصر) وقيصرية (على شاطئ فلسطين). رأى أنّنا نحتاج إلى قراءة الكتاب المقدّس قراءة مفيدة، أنّنا نحتاج إلى الإنتباه والممارسة. قال: "علينا أن نعود كلّ يوم من جديد إلى ينبوع الكتاب المقدّس"، وهذا ليس بممكن بمجهودنا الخاصّ. لهذا يجب علينا أن نطلبه في الصلاة "لأنّه من الضروري جدّاً أن نصلّي لنستطيع فهم الأمور الإلهيّة". وإختتم أوريجانس قوله: "بهذه الطريقة نتوصّل إلى إختبار ما نرجو وما به نتأمّل".
القراءة الربيّة، هي قراءة الكتاب المقدّس نقوم بها برفقة الربّ يسوع. هو رافق التلميذين على طريق عمّاوس، وهو لا يزال يرافقنا ويشرح لنا الكتاب فتضطرم قلوبنا لسماعه.
القراءة الربيّة هي قراة الكتب المقدّسة يقوم بها المسيحيون ليغذّوا إيمانهم ورجاءهم ومحبّتهم. القراءة الربيّة قديمة قِدَم الكنيسة التي تحيا هي نفسها من كلمة الله، وترتبط بهذه الكلمة كما ترتبط المياه الجارية بالينبوع.
القراءة الربيّة هي قراءة كلام الله في الإيمان والصلاة. القراءة الربيّة تستند إلى الإيمان بيسوع، لا إلى مجهودنا الفكري وتفسيرنا النظري: "الروح القدس يعلّمكم كلّ شيء ويذكّركم بكلّ ما قلته لكم، ويرشدكم إلى الحق كلّه". فالعهد الجديد مثلاً هو نتيجة قراءة المسيحيين الأوّلين للعهد القديم على ضوء الحدث الجديد الذي هو يسوع المسيح. إنطلقوا من إهتماماتهم الخاصّة، وقرأوها على ضوء الوحي الجديد، على ضوء قيامة يسوع الحيّ اليوم وسط جماعته، فكانت لنا أسفار العهد الجديد من الأناجيل حتّى سفر الرؤيا.
وسار المؤمنون في كلّ العصور على خطى الكنيسة الأولى. وتابعت القراءة الربيّة مسيرتها فبدت كالعمود الفقري في كلّ حياة دينية. ولكن جاء وقت تخلّى فيه المؤمنون عن قراءة الكتاب المقدّس ونسوا أنّه يقود إلى التأمّل والصلاة والمشاهدة، فصارت حياتهم الروحية فقيرة. لقد تركوا ينبوع الماء الحيّ واتّبعوا عبادات وطرائق صلاة لم تستلهم الكتاب المقدّس، بل جعلت الصلاة مسألة تجارية: نصلّي إلى الله فيعطينا. ولكنّ الله هو العطاء الدائم ولا يحتاج أن نصلّي لكي يعطينا. فهو يعرف حاجاتنا. الصلاة هي إنفتاح على الله، هي إنفتاح على كلمة الله.
وهكذا عاد المؤمنون إلى قراءة الكتاب المقدّس، يستلهمونه من أجل صلاتهم وعباداتهم. يسمعونه، يتأمّلون فيه، وينظّمون حياتهم على نوره.
من أجل هؤلاء نقدّم هذه التأمّلات في إنجيل متّى. إخترنا بعض النصوص ولم نقدّمها كلّها. فمن شاء التوسّع والإستزادة عاد إلى كتب التفسير. قدّمنا التأمّل وما قدّمنا نصّ الإنجيل، لأنّ الترجمات عديدة ولكلّ ترجمته.
أمّا كيف يتمّ التأمّل؟ كيف تتمّ هذه القراءة الربيّة؟ نبدأ بقراءة النصّ الإنجيلي مرّة أولى على مهل وبصوت عالٍ إذا أمكن، لترى العين، وتسمع الأذن وتتلفّظ الشفتان. نتوقّّف عند عبارات إسترعت إنتباهنا.
ثم نعود إلى قراءة النصّ ثانية. هنا نستعين بالشروح والتفاسير. وننهي تأمّلنا بموقف عملي يتجسّد في أقوالنا وأعمالنا، بل في كلّ حياتنا.
هذا هو الكتاب الأوّل في سلسلة "القراءة الربيّة". فإن لاقى الرواج الذي نتأمّله، أتبعناه بكتب أخرى. المهمّ لا أن ندرس الكتاب المقدّس دراسة علمية. المهمّ أن تفيدنا الدراسة العلمية وغيرها لكي يصبح كلام الله مصباحاً لخطانا ونوراً لسبيلنا.
وكلّ هدفنا بعد أن إنتهينا من هذا الكتاب أن نختفي وتختفي الكلمات التي كتبناها، لنترك الضيف الإلهي يكلّم كلّ واحد منّا في أعماق قلبه. فهو يريد أن يدخل فيتعشّى معنا ونتعشّى معه. فيا لسعادتنا إن عرفنا أن نصمت على مثال صموئيل ونقول له: "تكلَّم يا رب، فإن عبدك يسمع".



ـ ـ ـ يتبع ـ ـ ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صدى الصمت
Adminstrator
مــــــشـــــرفـــــة
Adminstrator مــــــشـــــرفـــــة
صدى الصمت


انثى
عدد الرسائل : 265
العمر : 39
نقاط : 5929
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Empty
مُساهمةموضوع: رد: من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى   من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Emptyالإثنين 26 يناير 2009 - 11:28


ـ 1 ـ
متّى الإنجيلي
(9: 9- 13)


رآه يسوع فقال له: "إتبعني". فقام وتبعه.
لا نعرف الشيء الكثير عن هذا الرجل. فصاحب الإنجيل الأوّل يتحدّث عن شخص إسمه متّى. دعاه يسوع: "إتبعني"، فقام وتبعه (9: 9). هل يتحدّث متّى عن نفسه؟ ويروي مرقس ولوقا الخبر عينه، فيسمّيان المدعوّ "لاوي".
إذا كان متّى هو لاوي، كما يقول التقليد، نكون أمام إسمين، واحد يهودي والآخر يوناني. ومتّى هو عشّار، جابي ضرائب لحساب الرومان. إذن يعتبره اليهود "مُباعاً" للعدوّ وخائناً لشعبه. إنّه يتعامل مع الغريب، ولهذا لا يحترمه الناس. وفي الواقع، عاشر يسوع هذه الفئة من الناس، فكانت ردّات الفعل قاسية ضدّه من قِبَل الفرّيسيين. وهذا أمر مهمّ بالنسبة إلى متّى الذي خبر في شخصه كيف لم يفهمه أهله ورذلوه، وكيف إستقبله يسوع وعامله بروح التسامح والمحبّة.


1- تبدُّل في الإستمرارية

كلّ هذا طبع في العمق شخص متّى الذي أحسّ في الصميم بموقف يسوع تجاه الصغار والمرذولين من الشعب.
إنّ متّى موظّف، ولهذا تحلّت كتابته بالمنهجية والترتيب. ووضعُه السياسي الملتبس لم يمنعه من أن يكون يهودياً صالحاً. فهناك يهود عديدون، بل أشراف، تكيّفوا أفضل تكيّف مع الإحتلال الروماني. ومهما يكن من أمر، فطريقته في التعبير هي الطريقة اليهودية، سواءً في أسلوب الكتابة أو في مضمون الإنجيل.
يعود متّى أقلّه 130 مرّة إلى أسفار العهد القديم التي يعرفها عن ظهر قلبه. ولا شكّ في أنّه يوجّه كلامه إلى مسيحيين جاؤوا من العالم اليهودي، وهو يسعى ليفسّر لقرّائه أنّ يسوع كان في الوقت نفسه أميناً للعالم اليهودي ومنفتحاً على الغرباء ونداءات الإستغاثة عندهم.
كان هدف متّى أن يُفهِم قرّاءه أنّ الوثنيين يستطيعون هم أيضاً أن يفهموا تعليم يسوع، وبالتالي أن يقبلوا بجوهر التراث الديني الذي عرفه الشعب المختار.
دوّن متّى إنجيله حوالي سنة 80 في أنطاكية بسورية. وكان المسيحيون قد إنفصلوا عن ممارسات المجمع واستقلّوا عن العالم اليهودي الرسمي. ولهذا عادوا إلى التقليد الصحيح وطالبوا بالإرث الديني الذي في التوراة على أنّه يخصّهم أيضاً. تألّفت جماعة أنطاكية أساساً من يهود هربوا من الإضطهادات الأولى التي حصلت في أورشليم، وأخذت تستقبل الوثنيين.
في هذه الظروف، كان لا بدّ لمتّى أن يفسّر لليهود أنّ هذا الإستقبال لا يتعارض مع تعليم يسوع ولا مع معتقداتهم الخاصّة. وهكذا أخرج الإنجيلي الأوّل من كنزه كلّ جديد وقديم (13: 52). الجديد أوّلاً، لأنّ الإنجيل هو النباً الجديد. ولكنّنا لا نقدّر الجديد إلا على ضوء القديم.
إعتبر متّى أنّ الإنسان يمكنه أن يكون كاتباً (يهودياً) ومسيحياً معاً (23: 34). هذا ما لم يتخيّله مرقس يوماً وهو الذي جعل من الكتبة الأعداء الوحيدين ليسوع التاريخي. أمّا أعداء يسوع في نظر متّى، فهم الفرّيسيون الذين أعادوا تكوين جماعتهم بعد كارثة سنة 70 (دمّر الهيكل والمدينة)، وكانوا أوّل العاملين على طرد المسيحيين من المجامع. فمتّى هو مفسّر وكاتب، وهو لا يرى الكنيسة بدون هذه الوظيفة الهامّة في كلّ جماعة.


2- ماذا قال يسوع؟

حدّدت جماعة أنطاكية لمتّى سؤالاً يجيب عليه: "ماذا قال يسوع"؟ إذن، لا بدّ من تدوين هذه الكلمات النفيسة التي تلفّظ بها المعلّم، والتي قد تتشوّه حين تردّدها الشفاه. ولا بدّ من التأكيد بأنّ هذه الأقوال لا تسيء إلى الإيمان اليهودي.
أجاب متّى على السؤال الذي طُرح عليه، فقدّم أقوال يسوع في خمس خطب. تنتهي كلّ خطبة بالعبارة التالية: "ولمّا أتمّ يسوع هذا الكلام" (7: 28؛ 11: 1؛ 13: 53؛ 19: 1؛ 26: 1). وإليك هذه الخطب الخمس. الأولى (الفصول 5- 7): خطبة الجبل. الثانية (الفصل 10): خطبة الإرسال. الثالثة (الفصل 13): خطبة الأمثال. الرابعة (الفصل 18): حياة الجماعة. الخامسة (الفصلين 24 و25): خطبة النهايات.


3- كنيسة الصغار

تكشف هذه الخطب أهمّ مواضيع القدّيس متّى: الشريعة، الملكوت، الكلمة، الكنيسة، نهاية الأزمنة. أو: البرّ (العمل بمشيئة الله)، الإقتراب، التعليم، التلاميذ، التتميم. وكلّ هذا يقود إلى تجميع المؤمنين في كنيسة.
تفرَّد متّى فإستعمل كلمة "كنيسة". ولكنّ هناك كلمات أخرى إستعملها يسوع. منها: ملكوت السماوات الذي هو تجميع المؤمنين اليوم وتجميعهم النهائي حول إبن الإنسان (أي: الإنسان الذي وصل إلى كماله). غير أنّ إنجيل متّى هو قبل كلّ شيء إنجيل المساكين: فهو يتحدَّث مراراً عن الصغار وأصغر الصغار والفقراء والأولاد والعمّال والعبيد. هذا ما يدفعنا إلى القول إنّ جماعة أنطاكية تألّفت من أناس وضعاء، وإنّ تسمية الصغار ستعني عنده الأخ والتلميذ. فيسوع يجعل نفسه بين الصغار: "ما فعلتموه مع أحد إخوتي هؤلاء الصغار معي فعلتموه".
هذه نظرة سريعة إلى متّى وإنجيله، علّها تساعدنا في قراءتنا وتأمّلنا.




ـ ـ ـ يتبع ـ ـ ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
صدى الصمت
Adminstrator
مــــــشـــــرفـــــة
Adminstrator مــــــشـــــرفـــــة
صدى الصمت


انثى
عدد الرسائل : 265
العمر : 39
نقاط : 5929
تاريخ التسجيل : 23/09/2008

من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Empty
مُساهمةموضوع: رد: من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى   من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى Emptyالثلاثاء 27 يناير 2009 - 13:26


ـ 2 ـ
البشارة ليوسف
(1: 18- 24)


"العذراء تلد إبناً يُدعى عمّانوئيل أي الله معنا".
كتب لوقا خبر الطفولة من زاوية مريم. أمّا متّى فأبرزَ دور يوسف البارّ في مقدّمته اللاهوتية. فبعد أن أورد متّى نسب يسوع إبن داود، إبن إبراهيم، أحبّ أن يبيّن كيف يرتبط يسوع بسلالة داود.
في هذا المقطع، كما في المقاطع التالية، سوف نرى إيراداً من الكتاب المقدّس. هنا عاد إلى (إش 7: 14): "ها إنّ العذراء تحبل وتلد إبناً".
ما أراد متّى في إنجيل الطفولة أن يشبع فضولنا، بل أن يقدّم إلينا نظرة لاهوتية. نحن نودّ أن نعرف ما الذي حدث بالضبط، وماذا دار من كلام بين يوسف ومريم. أمّا متّى، فما يهمّه هو إستعداد يوسف لتلبية دعوته. فالملاك بشّره كما بشّر مريم. أمّا دوره فهو أن يتقبّل مريم العذراء ويعطي إسماً للولد: يسوع، الذي يخلّص شعبه من خطاياهم.
أعطانا متّى مدلولاً لإسم يسوع المعبّق بالتاريخ، وعاد بنا إلى يشوع. فإذا كان يشوع بن نون قد أدخل شعبه إلى أرض الميعاد، فيسوع سيُتِمّ الخلاص الحقيقي: يُخلّص الشعوب من خطاياهم ويدخلهم إلى ملكوت الآب.
هكذا تتمّ نبوءة إشعيا التي أوردها متّى: من العذراء يولد عمّانوئيل أي الله معنا. لقب له معناه العميق، وهو يتجاوب مع آخر كلمات القائم من الموت: "ها أنا معكم كلّ الأيّام حتّى إنقضاء العالم" (28: 20).
هنا يعود نور الفصح على خبر الطفولة. فالقائم من الموت دخل في سلالة داود بفعل الروح الحاسم في مريم، وبتجرّد تامّ أظهره يوسف الصدّيق: أخذ مريم ولم يعرفها، لم يرتبط بها بفعل زواج. ولمّا ولدت إبنها، أدخله في سلالته وسمّاه يسوع. هكذا قال الملاك، وهكذا فعل يوسف.
وثق يوسف ملء الثقة بالله، لهذا وثق كلّ الثقة بمريم في الساعات الصعبة، في ساعات تمزَّق فيها قلبه البشري. فالحلم الذي يتحدّث عنه متّى لم يكن حلماً عادياً. بل كان خبرة حميمة تعرّف فيها يوسف إلى تدخّل الله. وهنا إلتقى موقفه مع موقف مريم أمام المهمّة السرّية التي عُرِضت عليها. حدّثها المرسل الإلهي، فأجابت بكلمات شفّافة: "ها أنا خادمة للربّ، فليكن لي بحسب قولك".
ففي قبول يوسف ومريم لنداء الله، نكتشف صدى أمانة الآباء والأنبياء على أجيال وأجيال. فبعد إبراهيم، وبعد داود، وبعد إشعيا، سيأتي يوسف ومريم فيضعان كلّ ثقتهما بالله لأنّهما آمنا بكلّ نفسيهما أنّ الله هو الإله الأمين، فوضعا فيه كلّ رجائهما. وبما أنّهما أمينان لله، فهما أمينان الواحد للآخر في ثقة مطلقة. وهذا الطفل الذي سيولد في فقر بيت لحم، سيسمّيانه يسوع أي الربّ يخلّص. فبكلّ إيمانهما ترجّيا أنّه سيكون ذاك الآتي من عند الله ليخلّص شعبه من كلّ خطاياه وجهالاته.
وعليهما أن يبقيا أمينَين (ومؤمنَين) لوعد سينتظران السنوات الطويلة قبل أن يريا تحقيقه. بالنسبة إلى يوسف، هذه الأمانة السائرة في العتمة، سترافقه كلّ حياته، لأنّ الأناجيل لا تذكره بعد عودته إلى الناصرة، وهذا يفترض أنّه مات قبل أن يظهر يسوع كالنبيّ الجديد، كالنبيّ القدير في القول والعمل. وبالنسبة إلى مريم، فإنّها تختفي (كما يقول الإنجيليون) في مجموعة النساء اللواتي تبعن يسوع على طرق فلسطين. لم تظهر على المسرح، بل ظلّت صامتة. وسمعت كلمة إبنها مع ما فيها من صعوبة. وستظلّ تسمعها حتّى الجلجلة.
هلا تعلّمنا مثل يوسف ومريم أنّ الإيمان والأمانة والرجاء تمرّ هي أيضاً عبر صمتنا أمام الله.
هناك البشارة لمريم والبشارة ليوسف. أبرزَ لوقا إضطراب مريم حين علمت أنّها ستصير أمّاً: "كيف يكون ذلك" (لو 1: 31- 34)؟ وإهتمّ متّى بإظهار إضطراب يوسف حين علم أنّ مريم حبلى. "كيف سيعيش هذا الوضع" (مت 1: 19)؟ طرح كلّ من يوسف ومريم سؤاله، ونحن نطرح أسئلتنا في جوّ من الإيمان. وجاء الجواب لمريم: "الروح القدس يحلّ عليك" (لو 1: 35). وليوسف: "الذي كُوِّن فيها هو من الروح القدس" (مت 1: 20).
أراد الخبران أن يجعلا الجماعة المسيحية الأولى تُدرك بنوّة يسوع الإلهية (هو إبن الله). ولكن يبقى على مريم ويوسف أن يعترفا بهذا الولد ويعطياه إسم يسوع. يسوع هو حقاً إبن داود، إنسان حقيقي مولود من إمرأة. يبقى على المسيحيين أن يتعرّفوا إلى يسوع في الإيمان. لمريم بشارتها ودعوتها، وليوسف بشارته ودعوته. ولكلّ واحد منّا بشارته ودعوته حتّى نتعرّف إلى يسوع. فهل نترك زيارة الله تمرّ علينا ونحن غائبون؟ مَن هو يسوع بالنسبة إلينا؟




ـ ـ ـ يتبع ـ ـ ـ
الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
من القراءة إلى التأمّل مع القدّيس متّى
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
عراق المستقبل :: منتدى الدين المسيحي-
انتقل الى: