القربان الكردي و مسيرة كاوا حداد نحو الحرية
إن من يقرأ التاريخ الكردي بتمعن وخصوصا أولئك الباحثين عن أصل الكرد يجد نفسه أمام مجموعة كبيرة من الفرضيات والأساطير المختلفة وأهمها أسطورة الضحاك التي تلخص الميثيولوجية الكردية المتمثلة في رفض الظلم والطغيان بأسلوب وطريقة كردية خالصة فضحاك الذي يشبه كثيرا طغاة
عصرنا هذا ولا سيما أولئك الذين ما زالوا قابعين على أنفاس الشعب الكردي
هذا الضحاك وكما تقول الأسطورة مرض مرضا شديداً وجمع الحكماء والأطباء من أجل إيجاد دواء لعلته فأجمع الكل على أن شفاء مرضه يكون بأن يلتهم يوميا دماغ أحد الأبطال أي أن يكون طعامه اليومي من الأمخاخ البشرية فاستجاب الضحاك لرأي الحكماء وأخذ بذبح الرجال الأشداء من أجل الحصول على أدمغتهم وحينما أصبحت القصة كبيرة وراح ضحيتها العشرات بل المئات من الرجال ظهر قائد حكيم هو كاوا الحداد حمل على عاتقه مهمة التخلص من هذا المجرم الفظيع فتناول شعلة النار وجمع فوق جبال كردستان كل الأحرار ورافضي الظلم والطغيان وفي ليلة رأس السنة الكردية أعلن ميلاد يوم جديد فأنار بشعلته كل ذرى الجبال وأحرق بساعديه رأس الضحاك المشئوم فتحولت النار بيديه إلى شعلة من نور الحرية والخلاص وكان ذلك اليوم بداية لقصة النار التي بعثت الروح في
أوصال شعب الجبال واليوم وحينما يتابع الطغاة مسيرة الضحاك ويمارسون الظلم والاضطهاد بحق الشعب الكردي يعاود الكرد تضحياتهم التي لا تشبه تضحيات غيرهم فالكردي أصبح يعرف إن النار هي عشيقته وطريقته في ممارسة هذا العشق هو الاتحاد والتوحد معها كي تصبح نورا تنير دروب البشرية المظلمة .
مرة جديدة وفي هذا العصر الذي أصبح العنف والقتل لغته اليومية ،تهرع الصبايا ويهرع الفتيان الكرد لممارسة هذا العشق استنكارا لكل أساليب القمع والظلم بحق رموزهم القومية والوطنية وضد كل أشكال الإنكار بحق هذا الشعب في العيش بكرامة وسلام جنبا إلى جنب مع أخوانهم من العرب والفرس والترك غير مبالين بما يكنه ويدبره أعدائهم من مؤامرات وشراك ضدهم ،لا يستعملون أساليب غيرهم في الإرهاب والقتل الذي لا يستثني أطفال أونساءا أوشيوخا ، هؤلاء الغير الذين باتوا يبررون هذا القتل بحجم المآسي والمجازر التي تعرضوا لها ،وهم ها هنا مخطئون كثيرا فلو فتحوا قلب الكردي لرؤوا كتل العذاب والألم التي تملئ كل تجاويف هذا القلب بل لو ازاحو التراب قليلا عن جسد الوطن الكردي لرؤوا
القبور الجماعية والأجساد الموؤدة ،لرؤوا الدمع مازال حارا على خدود عظام الأطفال والنساء ولكن مع كل ذلك لم يمارس الكرد غير طريق واحد في المقاومة والاستنكار وهو القربان الكردي فهاهم يهبون أجسادهم الفتية للنار كي يبقى الضياء منتشراً في كل مكان لا كما يفعل الآخرون من تفخيخ لأجسادهم كي تقتل ما تشاء من أبرياء ، الكردي يعرف انه (لا تزر وازرة وزر أخرى ) وان الأبرياء من أطفال ونساء لا علاقة لهم بذنوب أبائهم وإخوانهم ، وليس بين الكردي ومن يمارسون القمع والتسلط ضدهم غير طريق وحيد هو المواجهة نداً لند أما اسلوب الغدر والخيانة فليس من طبع هذا الكردي .
هكذا يقول التاريخ الكردي وإذا كانت بعض الأنظمة المهينة على الوطن الكردي لم تعي بعد هذه الحقيقة وما زالت تحتجز الكردي وراء قضبان السجون الانفرادية وتمنعه من حق اللقاء بأحبائه وأهله وتتهمه بالأجرام بحق شعوبها ، رغم إنها تنسى أنها تتنكر لأبسط حقوق الكردي الذي هو من شعبها أيضا وهي نفسها التي ما زالت تعتبر الكرد أتراك جبال أومهاجرين غير شرعيين كما إنها مازالت تتوعد الكرد بالقضاء على كل حلم لديهم في الحرية والأنعتاق وتطلق التهديد تلو التهديد بأنها لن تسمح بإقامة أي كيان للكرد حتى وان دعت الحاجة إلى مطاردتهم إلى براري المريخ ، ولكن فلتعلم هذه الأنظمة إن القربان الكردي حاضر في كل زمان ومكان وهو أشبه ما يكون بفداء الحسين (عليه السلام ) وتعاليم المسيح التي تنادي بحب الأعداء وعدم بغضهم وانه ( من لطمك على خدك الأيسر فأدر له الأخر) لان
المسيح الفادي هو الذي يتكفل بإزالة الحقد والضغينة من قلوب هؤلاء الأعداء عبر تسامحه وفدائه وهكذا الكردي يعلم أن دين الله هو دين الحق الذي يدعوا إلى السماح والتآلف والمحبة وهو بقربانه المتمثل في جسده الجميل يحول حرارة النار إلى برد وسلام على كل من يؤمن بالعدل والحرية وهو
بتوحده مع النار يرجعها إلى سالف عهدها عندما كانت نورا تبعث الحب والدفء والحنان في كل مكان وأخيرا هنيئا للكردي بنوره وهنيئا للأعداء ببغيهم وظلمهم وأجسادهم العفنة .