الحروب التي دارت على أرض كردستان
لسوء حظ الكرد ونكد طالع اجداد اجدادهم القدماء, أن أصبحت ارض كردستان مسرحاً للأحداث الجسام منذ القدم، حيث دارت الكثير من المعارك الدموية على هذه الأرض. فما من قائد دموي وجيش غاز، ألا وطرقت حوافر خيله سهول وبراري وسفوح جبال كردستان. وخلفوا وراءهم القتل والدمار والخراب. كان الكرد دوماً في حالة دفاعية ضد القوى الغازية لأراضيهم. ولم تحدث في التأريخ واقعة يكون الكرد فيها في حالة هجومية وعدائية ضد جيرانهم او أي كائن كان.
الملك الاكدي (نرام سين) وحفيد (سرجون الاكدي) كانت سنو عهد حكمه الطويل (2291 – 2255 ق.م) مليئة كل الوقت تقريباً بالعمليات العسكرية التي جرت كلها قرب حدود وادي الرافدين. وكانت حملته الرئيسة ضد اللولوبيين الاقوياء. ويخلد انتصار الاكديين عليهم نحت صخري وجد في (دربند كاور) في منطقة (قرداغ) بالقرب من مدينة السليمانية. وقطعة فنية رائعة من النحت العراقي الناتئ وهي المسلة المشهورة التي وجدت في (سوسة) والتي يفخر الآن متحف (لوفر) بأمتلاكها. ترينا مسلة نرام سين مسلحاً بالقوس ومعتمراً التأج المقرّن للآلهة وهو يتسلق جبلاً شديد الانحدار, ويطأ بأقدامه على جثث أعدائه يتبعه جنده المصورون بحجم اصغر.(1)
في المخلفات الاثرية التي يرجع تأريخها الى عهد الملك الاشوري (تكلات بلاسر 1115 – 1077 ق.م) دونت الكثير من الوقائع الحربية لذلك الملك، وهناك مدون محفور على احد الاعمدة يصف فيه الملك حملاته العسكرية على المناطق الشمالية لكردستان الحالية ويقول:
(استطعت من القاء القبض على عشرين الف من رجال موشكايا. خمسة من ملوكهم كانوا يفرضون الضرائب والاتاوات في بلاد الزي وبورو كوزي على امتداد خمسة قرون. اقسم بألهي اسور بأن احداً من الملوك لم يستطع ان يواجههم في الحروب ويحرز النصر عليهم لشدة بأسهم. لكنهم اتوا واستسلموا لي. كانت بلاد كوموخ تحت سيطرتهم , لكن بمعونة الهي اشور استطعت من تهيئة العربات الحربية لجيشي وتمكنت من التسلق على جبال كاشيارا المنيعة. حاربت عشرين الفاً وخمسة من ملوك بلاد كوموخو وتغلبت عليهم. قمت بنثر جثثهم في الوديان وعلى قمم الجبال. قطعت رؤوسهم ومن ثم جمعت تلك الرؤوس بالقرب من مدنهم. وقع الكثير من الاسرى والنساء بين ايدينا..)(2)
لعل من اشهر الحروب الفاصلة في التأريخ , وقعت بين اليونانيين بقيادة (الاسكندر المقدوني) وجيش الفرس بقيادة الملك الهاخامنشي (داريوش الثالث) وقعت تلك المعركة على ارض كردستان سنة (331 ق.م) وقطعت القوات المقدونية البادية السورية وعبرت نهر دجلة قرب (فيشخابور) في 331 ق.م. واتجه الاسكندر المقدوني الى (gaugamela – تل جومل) بالقرب من مدينة اربيل , لكي يلتقي غريمه داريوش الثالث الذي ترك المعركة والتجأ عبر جبال كردستان الى شمال ايران..(3)
حدثت معركة القادسية بين العرب المسلمين والساسانيين في عهد الخليفة عمر بن الخطاب سنة (637) ميلادية على ارض كردستان. والآن في الوقت الراهن يدرس كتاب (التأريخ العربي الاسلامي) ضمن المنهاج الدراسي لطلاب الصف الثاني المتوسط. في صفحة (56) من هذا الكتاب المنهجي نقرأ على سبيل المثال هذه الفقرات (في معركة نهاوند – فتح الفتوح – حيث قتل من الفرس (180) الف جندي ثم طرد الفرس نهائياً من ارض العراق العربية..)(4)
نحن هنا نناشد وزارة التربية واصحاب الشأن المحترمين, ان يبعدوا عن المناهج الدراسية كل ما تنمي الروح العدائية لدى الطالب وكل ما يسيء الى العلاقات الاخوية بين شعوب المنطقة. نحن العراقيين عانينا ما عانيناه جراء السياسات السابقة الخاطئة, وأصابتنا الكثير من الويلات والحروب والدمار. وكلنا امل ان نفتح صفحة جديدة ونعيش بسلام ووئام مع العالم.
لما دخل الدين الاسلامي بلاد كردستان, رحب الشعب الكردي بالدين الجديد وبكثير من الصدق والامانة تمسكوا به وخدموه، وعلى سبيل المثال فقد برز الكثير من اهل الفكر والعلم بين الكرد من الذين خدموا الدين الاسلامي والثقافة العربية امثال (الدينوري.. ابن الاثير. ابن خلكان.. ابن المستوفي. ابن الجوزي.. البيتوشي.. عبد القادر الكيلاني.. النورسي.. الكواكبي.... الشهرزوري.. البتليسي.. جميل صدقي الزهاوي.. بلند الحيدري.. قاسم امين.. العائلة التيمورية.. الدكتورة سهيل القلماوي.. احمد شوقي..) والقائمة تطول..
بالرغم من كل الخدمات التي اسداها علماء الكرد للثقافة العربية , لكننا نجد من التعابير المستخدمة ما تكدر صفونا. نحن نتمنى ان نتجاوز كل ما يعيق عملية التواصل والتلاحم كي نعيش جميعاً بأخوة وسلام، فقد عانى الشعب الكردي الكثير من المظالم على يد بعض الخلفاء والسلاطين القساة. فعلى سبيل المثال كانت تطلق كلمة (اعجمي) في العصر الاموي والعباسي على كل من لم يكن ينتمي الى القومية العربية. وللأسف نجد شاعراً كبيراً مثل (المتنبي) ينتهج نفس المنهج ويحط من قدر الاجناس غير العربية ويقول في قصيدة له:
وأنما الناس بالملوك وما تفلح عرب ملوكها عجم
لا ادب عندهم ولا حسب ولا عهود لهم ولا ذمم.. الخ
كان الرومان ينظرون الى من عاداهم من الشعوب الاخرى على انهم برابرة وكذلك كان العرب قبل الاسلام متعالين جداً ويسمون ما عداهم بالعجم) (والعجم يناقض العرب, والواحد عجمي وفي لسانه عجمة والعجماء البهيمة والاعجم الذي لا يفصح ولا يبين كلامه وان كان من العرب. وكل من لا يقدر على الكلام اصلاً فهو اعجم ومستعجم..)(5)
وفي العصر الاموي والعباسي شاعت عبارة (الموالي) وسمي الموالي بهذا الاسم لأنهم عند اعتناقهم الاسلام حاولوا محالفة القبائل البدوية. أي حاولوا الدخول في ولائها وحمايتها. فكان الرجل من الامم المفتوحة لا يكاد يعلن اسلامه حتى يذهب الى قبيلة عربية لينتمي اليها عن طريق الولاء.(6)
نحن العراقيين نعيش الآن في العراق الجديد الديمقراطي , لدينا رسالة مقدسة وهدفنا الاسمى هو ان نكون قدوة لباقي الشعوب التي ترزح تحت الظلم والطغيان , لتحذو تلك الشعوب حذونا وتتخلص ايضاً بدورها من نير الظلم والاستبداد. لذا يجب ان نكون بمستوى المسؤولية ونتجاوز جيمع النعوت والصفات والمسميات التي لا تخدم قضيتنا العادلة. وعلى سبيل المثال كلمة (الاعجم) واحدة من تلك الكلمات التي لها وقع سيئ على مسمع كل من لا ينتمي الى القومية العربية. كما اسلفنا وان الكثير من علماء الكرد خدموا اللغة العربية والثقافة الاسلامية. وهناك ايضاً الكثير من المفكرين والاعلام غير العرب من الذين خدموا لغة الضاد امثال (الطبري.. البخاري.. الفراهيدي.. الخوارزمي.. الجرجاني.. الشهرستاني.. الاصفهاني.. الترمذي.. الفارابي.. الاسترابادي.... سيبويه.. الافغاني.. أبو نؤاس.. بشار بن برد.. أبن سينا.. الرازي.. ابن خلدون.. مصطفى جواد.. وغيرهم.).
لقد مرّ الكثير من الغزاة وجيوش المحتلين على ارض كردستان واستباحوا ارضها واهلها. لا يسعنا الا ان نستشهد ببعض منهم وعلى نحو سريع امثال (السلاجقة والخروف الابيض والخروف الاسود وهولاكو وجنكيز خان وتيمورلنك والعثمانيون والفرس والانكليز...).
سنة (1514) ميلادية وقعت معركة (جالديران) بين العثمانيين والصفويين وفي تلك المعركة انتصرت القوات العثمانية على القوات الصفوية. ومنذ عام (1533) اصبح اقليم شهرزور وبعض المناطق المجاورة التي هيمنت عليها امارة بابان فيما بعد, تندرج ضمن مجال النفوذ العثماني..(7) وبأمتداد خمسة قرون اصبح العراق وبضمنه كردستان تحت الاحتلال العثماني. وللأسف خلال تلك الحقبة طويلة الامد تأخرت المنطقة بشكل منقطع النظير. واهمل العثمانيون البلاد المحتلة من جميع النواحي الحضارية والثقافية والاجتماعية والعمرانية.. وانعدمت المدارس والمستشفيات وجميع المرافق الحضارية تحت ظل الهيمنة العثمانية. استطاع الكرد بشق الانفس من اقامة الامارة البابانية التي كانت تتمتع بقسط من الاستقلال والذاتية، ولكن تلك الامارة قد اسقطت من قبل العثمانيين سنة (1850) ميلادية. بعد الحرب العالمية الاولى انهارت الدولة العثمانية. وتمكن (مصطفى كمال) من تأسيس الجمهورية التركية سنة (1923) ونتيجة الظلم الذي لحق بالشعب الكردي في ظل الجمهورية الجديدة, قام الكرد بسلسلة من الثورات والحركات القومية، وقمعت جميعها بالحديد والنار، وعندما اخمدت احدى الثورات الكردية, كتب مصطفى كمال في الكتاب الاحمر سنة (1925) ما يلي:
(.. أي والله لقد اندحر الاكراد, وكان القضاء عليهم مبرماً ورهيباً, الطائرات تصب عليهم من السماء دماراً, والبنادق ترسل من فوهاتها ناراً, والمدافع ترسل حمماً, والسيف يحز الرؤوس, والخنادق تبقر البطون, واربعون الفاً من الجنود الهمهم (اتاتورك) بخطبة نارية, يقفزون في بلاد الاكراد من رابية الى قمة, ثم الى الوهاد ينحدرون, والناس يقتلون والقرى تحرق)(8) ويعلق الزعيم الهندي (نهرو) على الاعمال التي قام بها الاتراك ضد الكرد في كتابه (لمحات من تأريخ العالم) ما يلي: (وهكذا فأن الاتراك الذين كانوا يحاربون حديثاً من اجل حريتهم الخاصة, سحقوا الاكراد الذين يسعون الى حريتهم. كم هو غريب ان تتحول قومية مدافعة الى قومية مهاجمة. وان يصبح الكفاح من اجل الحرية, كفاحاً لقهر الاخرين..).
في سنة (1932) اندلعت ثورة كردية اخرى في ارارات بقيادة (احسان نوري باشا). وهذه الثورة انتهت الى الفشل, بعد ان التجأ قائدها الجنرال (احسان نوري باشا) الى ايران. واستمرت الطائرات التركية تحرق القرى الكردية لعدة اشهر اخرى بعد سحق الثورة. وقد نشرت جريدة (مللت) التركية صورة لضريح كتب على شاهدلاه (هذا ضريح كردستان الخيالي)(9).
اثناء الاحتلال الانكليزي لدولة العراق , حدثت الكثير من الثورات والحركات في هذا البلد. كثورة العشرين والحركات التحررية الكردية بقيادة الشيخ محمود الحفيد. وكما هو معلوم فأن القوات البريطانية قامت بكثير من الفظاظة بضرب القرى والمدن الكردية بالطائرات والمدافع. وقام الانكليز بتقطيع اوصال بلاد كردستان الواسعة..
لدى تسلم حزب البعث الصدامي السلطة في العراق، كثفوا من جهودهم من اجل القضاء على الشعب الكردي الآمن والمحب للسلام. ولا نريد هنا ان نستفيض في الكلام ونقوم بعرض جميع الوقائع والعمليات الاجرامية التي مورست بحق الشعب الكردي. بل نورد لاحقاً بعضاً من اقوال المجرم علي الكيمياوي المسجل على آلة التسجيل , والذي قام السيد المدعي العام ببثها في قاعة المحكمة ويقول فيها هذا المجرم ما يلي:
(سندرب اشخاصاً على الاسلحة الكيمياوية وسنكرر عملية الضرب اثنين وثلاثة واربعة وخمسة. حتى نقضي على الجميع ونقضي على اللغات الكردية والسريانية)..
نحن قمنا في هذا المقال المتواضع بعرض بعض الشواهد من سجل الوقائع التأريخية التي حدثت على ارض كردستان بأيجاز، وهدفنا الرئيس هو الاطلاع على بعض الجوانب التأريخية واخذ الدروس والعبر من الماضي. ولا نبغي من وراء هذه الكتابة اثارة النعرات الطائفية واذكاء نار الاحقاد العرقية، فمن مصلحة جميع القوميات والمذاهب والاعراق داخل العراق وفي المنطقة قاطبة, التكاتف والتلاحم وتجاوز جميع الخلافات والاحقاد وفتح صفحة جديدة من العلاقات الودية, بما يخدم البلد وكل المكونات العرقية من اجل بناء مستقبل مشرق ومزدهر..
منقول