ما أشهى الحديث عن القديسة مريم العذراء الطاهرة أم مخلصنا وفادينا يسوع المسيح ، فآباء الكنيسة نظموا في مدحها نثراً وشعراً ، ونحت الفنانون الشهير ون أجمل التماثيل . وملأ الرسامون الماهرون الدنيا بصورها الرائعة، وشيد المؤمنون على اسمها أفخم الكاتدرائيات في العالم. فهي تحتل مكانة مرموقة عند المسيحيين عامة والسريان خاصة فالكنيسة السريانية تكرم العذراء مريم والدة الإله وتضعها في مقدمة القديسات والقديسين لأنها أصبحت أماً لله، لهذا رتبت لها أعياداً على مدار السنة ففي 8 أيلول تحتفل بعيد ميلادها وتعيد لها ثلاثة أعياد (بركة العذراء للزرع في (15)ك2 ، وبركة العذراء للسنابل في (15) أيار ، وبركة العذراء للكروم في (15) آب ) التي يصور فيها سر الحياة ، لأن المسيح غالباً ما شبه نفسه بالكرمة إلى ذلك فإن الخمر يستخدم في القداس الإلهي ، كما أخذ السيد المسيح أثناء العشاء الأخير كأس الخمر وصلى وشكر وأعطاه لتلاميذه قائلاً ( هذا هو دمي ) وبما أن الخمر من عصير العنب محضر ،فالأنسب أن تعطى الأفضلية للعنب . لذلك يوزع العنب المؤمنون بين بعضهم وفي الكنيسة أيضاً. وقد حل عيد انتقال السيدة العذراء محل عيد الكروم. ولقدسية عيد انتقال السيدة العذراء فرضت الكنيسة صوماً يلتزم به المؤمنون. وكان (14) يوماً بدءً من أول الشهر. ثم خفف الصوم وجعل ( 5) أيام يبدأ من اليوم العاشر.
وتعيد الكنيسة أيضاً للعذراء في اليوم الثاني لعيد ميلاد الرب يسوع ( عيد تهنئة العذراء بالميلاد ) ، وفي اليوم الثاني لعيد قيامة الفادي من بين الأموات ( عيد تهنئة العذراء بقيامة ابنها ) وتعيد في (15) حزيران بعيد أول كنيسة بنيت باسم العذراء في مدينة يثرب .
ومن أهم الأعياد في المسيحية عيد البشارة ( بشارة العذراء ) بالحبل الإلهي ويقع في (25 )آذار. كما خصصت الكنيسة في بدء السنة الطقسية ما يسمى بالآحاد السابقة للميلاد ( أحد بشارة العذراء ، أحد زيارة العذراء لنسيبتها اليصابات ، أحد وحي يوسف خطيب العذراء ببراءتها وكشف السر الإلهي له ). فآباء الكنيسة تفننوا في مدحها نثراً ًوشعراً في الفناقيت وكتاب الصلوات الفرضية اليومية التي تتكرر أسبوعياً والمعروف بالإشحيم ويضم هذا الكتاب أناشيد روحية منظومة ومنثورة ترتل يومياً صباح ومساء ، وموضوعها إعلان العقيدة المستقيمة الرأي بالعذراء مريم والإقرار بها. وإظهار مكانتها في قلب الكنيسة والمؤمنين والتشفع بها ، والاستعانة بصلواتها المستجابة .
مريم العذراء من خلال نبوات الكتاب المقدس :
إن عشرات النبوات التي أعلنها الوحي الإلهي ودونت في العهد القديم في العذراء مريم ، فهي المرأة المقصودة بوعد الله ( نسل المرأة يسحق رأس الحية ) ونسلها المسيح يسوع الذي حبل به فيها من الروح القدس وليس من زرع رجل . وهي حواء جديدة وابنها ( يسوع المسيح هو ) آدم الجديد . اشعيا النبي قال عنها ( هو ذا العذراء تحبل وتلد ابناً وتدعو اسمه عمانوئيل ) ( الله معنا ) وسميت بأسماء عديدة ، حزقيال سماها ( باباً مغلقاً) ، وسليمان وصفها ( جنة موصدة وينبوعاً مختوماً ) ،وداود دعاها ( مدينة نبت فيها المسيح عشباً، دون زرع ، وصار مأكلاً للشعوب ، وفي يوم ميلاده حررنا من اللعنة ) .
ونحن في صلاة صباح يوم الاثنين نقرأ ما ترجمته : من الأب أشرق لنا الرب ، ومن بنت داود أشرق المخلص . ومن بيت لحم أشرق خبز الحياة للأمم التي آمنت به . فالسجود للآب الذي أرسل ابنه , والتبربك لمريم والدته , والطوبى للبيعة التي اقتبلته وهي تنشد له .
وفي صلاة القومة الأولى من ليلة الاثنين ما ترجمته : لا أعلم بماذا أسميك يا بنت داود , ولا أدري أي اسم أطلق عليك يا مريم ؟ هل أسميك بتولاً ؟ فهو ذا ابن يرضع منك !هل أسميك أماً ؟ وبكارتك ثابتة ؟ إذن أدعوك والدة الله وليخز المجادل المماحك الذي يتجاسر بالبحث عن سر ابنك هاليلويا محروم من حاول سبرغوسره .
وفي صبح يوم الثلاثاء نصلي ما ترجمته : إن العوسجة التي رآها موسى على جبل سينا ترمز إليك أيتها العذراء القديسة , فالعوسجة تمثل جسدك المقدس , وأوراقها التي لم تحترق ترمز إلى بتوليتك هاليلويا وهاليلويا والنار الذي في العوسجة يرمز إلى الله الذي حل فيك.....
وجاء في صلاة مساء يوم السبت ما ترجمته : لقد رمز إليك موسى بالعليقة ( يا مريم ) ورمز إليك أبوك داود بتابوت العهد , وجدعون بالجرة , ويعقوب الصدّيق بالسلم الذي ارتقى بها الجنس البشري إلى السماء .
نسب العذراء :
تنتمي العذراء إلى سليلة الكهنة والملوك والأنبياء , وهي ابنة داود لذلك قال لها الملاك عندما بشرها ( ستحبلين وتلدين ابناً يكون عظيماً وابن العلي يدعى .... ويعطيه الرب الإله كرسي داود أبيه ويملك على بيت يعقوب إلى الأبد ) .
العاقران يواكيم وحنة والدا العذراء مريم :
يحكى أن يواكيم أتى مرة إلى هيكل الرب ليقدم تقدمة فرفض الكاهن التقدمة لأن مقدمها ( عاقر ) فعاد يواكيم إلى داره مغتماً , كسير القلب , ذليلاً وأكثر من البكاء أمام الله , وشاركته في ذلك زوجته حنة , فاستجاب الله طلبتهما ورزقهما ابنة سمياها مريم وهو اسم سرياني مركب من ( مور ) و ( يام ) ومعناه بحر المرارة وبعضهم قال معنى الكلمة ( مريم ) نجمة البحر .
الحبل بالعذراء مريم وولادتها :
إن العذراء ابنة العاقرين ورثت عن أبويها خطيئة أبوينا ادم و حواء ما لم يكن بالإمكان محوها إلا بتجسد الأقنوم الثاني من الثالوث الأقدس . لذلك يقول الرسول بولس ( بإنسان واحد دخلت الخطية إلى العالم و بالخطية الموت , وهكذا اجتاز الموت إلى جميع الناس إذ أخطأ الجميع ) كما دخلت الخطية بإنسان إلى العالم كذلك بإنسان زالت فالعذراء مريم ولدت تحت حكم الخطية لم يتثنى من ارث الخطية إلا ربنا يسوع المسيح ( الذي أخذ ما لنا إلا الخطية ) فصار كفارة عن خطايا العالم .
العذراء في الهيكل:
تربت العذراء في الهيكل منذ نعومة أظفارها وهي تخدم هيكل الرب مع النساء المسنات ( دون أن تفارقه ) و كانت تدرس أسفار الوحي الإلهي
العذراء تخطب ليوسف البار :
لما بلغت مريم الرابعة عشرة من عمرها و لكونها لطيمة ( فقدت والديها ) اعتبر الكهنة بمثابة والديها و بحسب العادة استدعوا أقرب أقربائها و ألقيت القرعة عليها , فوقعت على يوسف الصديق فاعتبر خطيبا لها. وارتأى بعض الآباء أن يوسف البار كان أرملاً له أولاد من زوجته المتوفاة , دعوا فيما بعد إخوة الرب. لكن يوسف الصديق كان فقيراً مدقعاً و يعمل نجاراً.
البشارة:
كانت مريم مخطوبة ليوسف حين أرسل إليها الملاك جبرائيل و بشرها ( السلام عليك يا مريم , يا ممتلئة نعمة , الرب معك , ها أنت تحبلين و تلدين ابنا و تسمينه يسوع ... هذا يكون عظيماً وابن العلي يدعى وسيعطيه الرب الإله عرش داود أبيه ويملك على أل يعقوب إلى الأبد, و لن يكون لملكه انقضاء . و في اللحظة التي قيلت مريم أمر الرب حل عليها الروح القدس فطهرها من الخطية و قدسها . و إكراما للسيدة العذراء القديسة مريم رتب آباء الكنيسة السريانية أن يتلوا المؤمنون , السلام الملائكي عند ختام الصلوات الفرضية صباح مساء ( السلام عليك يا مريم يا ممتلئة نعمة مباركة أنت...................
ونختم حديثنا عنها بطلبة لمار يعقوب السروجي ما ترجمته :
( صلاتك معنا أيتها المباركة , صلاتك معنا , إن الرب يستجيب إلى صلواتك ويغفر لنا . فتضرعي أيتها الممتلئة نعمة والتمسي ممن هو رحمة ليرحم النفوس التي تطلب الرحمة أمين ) .