كيف ينظر الأكـراد إلى نسـائهم
لما كنا قد تركنا المجال رحباً للأكراد كي يصفوا أنفسهم بأنفسهم , لذلك فإننا نترك الكلام هنا للدكتور ( كاميران بدرخان ) شقيق الإمبراطورة ثريا , الذي نشر سلسلة من الأبحاث حول الموضوع في جريدة ( الأوريان ) ببيروت . و بالطبع فإن الكاتب المذكور يحدثنا عن المرأة الكردية المترفة التي تعيش في وسط النبلاء , لا عن نساء الشعب الفقيرات .
يبدأ الدكتور كاميران بالإشارة إلى ناحية هامة يعتبرها مميزة في حياة المرأة الكردية , ألا و هي عدم وجود الحريم – أي المكان المخصص للنساء – في الحياة الكردية , الأمر الذي يطلق الحرية للمرأة و يفسح لها المجال لأن تكون شخصية نسائية صالحة .
فالكردي لا يفكر قط بالتضييق على المرأة , فهو يعتبرها دائماً أهلاً لذات الثقة و ذات الحقوق و المسؤوليات التي يتمتع بها الرجل .
وهذا يعني من الناحية النفسية أن المرأة مزودة بذات الفضائل التي يتزود بها الرجل,
ويستعرض بعد ذلك حياة المرأة الكردية في جميع مراحلها : تتولى الأم تربية أبنتها فتعلمها الأغاني الوطنية , والرقص الشعبي والفروسية , والكتابة , تماماً كما تعلـّم أخوتها الذكور و تعلمها فوق ذلك الأعمال اليدوية . و تختلط الفتاة مع الرجال فتتعرف بذلك على زوج المستقبل . و ما تجدر الإشارة إله هو أن من عادات الأكراد أن يطلق على الولد اسم والدته التي لم يتمكن زوجها من معادلتها في جرأتها وقدرتها على الحرب . ويعطي الكاتب دليلاً على ذلك أن الأمير ( كاميران ) ابن رئيس قبيلة (رَمان ) يحمل اسم والدته( برهان ) لا اسـم والـده .
وغالبية الشعر الوجداني الكردي هو من وحي المرأة , بل إن جزءاً من الأغاني والأناشيد هي من نظم النساء .
و في معظم الأحيان تقوم المرأة الكردية مقام زوجها الراحل .
و يذكر الكاتب اثنتين من النساء لبث اسمهما عزيزاً على الشعب في منطقة ( بيشدر ) هما ( برا حليم ) و ( مها نر كيز ) اللتان اشتهرتا بمقاومتهما للاحتلال العثماني .
وينهي الكاتب ملاحظاته بالإشارة إلى أن المرأة الكردية هي عامل أساسي في النهضة الكردية المقبلة من جميع نواحيها .
و لننهِ هذا الدفاع البليغ عن المرأة الكردية بأقصوصة صغيرة مستقاة من مجموعة الأقاصيص الشعبية الكردية :
( سأل إسماعيل باشا آخر الزعماء الحميدين عيسو العاقل : من هي أفضل امرأة ؟ فأجابه جواباً غير واضح لم يفهم منه ما يريد . ولما استعصى على إسماعيل باشا فهم ذلك , اقترح عليه عيسو أن يقوما بجولة معاً . فتنكـّرا بزي الدراويش ومضيا . و كان أول منزل دخلاه منزل رجلً هو أصغر إخوانه الثلاثة , فطلبا منه أن يضيفهما , فرحب بهما , و عندما جلسا , لاحظا أن ذقن مضيفهما بيضاء , و أن قامته مقوسة . فسألاه بدهشة عن سبب حاله و هو لا يزال شاباً في الأربعين من العمر , فأجابهما قائلاً : غداً تذهبان إلى منزل أخي الأكبر فتدركان الحقيقة ,ثم نادى رب البيت زوجته ,فصرخت هذه فيه تقول: ماذا تريد مني أيها العنكبوت الأحمر , يا سم ّ الأفاعي ؟ ! قال لها : يجب أن تهيئي طعاماً للضيفين الدرويشين . فردت عليه بصياح : ماذا تريدني أن أهيئ ؟ ألا تعلم أن منزلك خراب لا يحتوي على شيء ؟! وهكذا كانت المرأة تجيب على كل طلب من زوجها بالصراخ و الألفاظ النابية . و عندما حان وقت النوم , قال الزوج : لدينا فراشان و غطاءان , فلنأخذ أنا و أنتِ فراشاً و غطاءً , و نعطي الباقي لضيفنا . فجاوبته الزوجة : فقدت بصرك ! ألا تعلم أني لا أسمح لك أن تلامسني ؟ خذ أنت غطاء و أنا آخذ الآخر . و هكذا أمضى الباشا و مرافقه عيسو ليلة نكراء , و عند الصباح ذهبا إلى منزل الأخ الأوسط , فوجدا أن ذقن هذا شمطاء , فسأله الباشا : كم عمرك ؟ أجاب : إني أناهز الستين . فاعترض الباشا قائلاً : ( و لكن في مثل هذه السن تصبح الذقن بيضاء تماماً , فلماذا تشذ ذقنك ؟ فأجاب المضيف : أمضيا الليلة عندي , و في الغد تذهبان إلى منزل أخي الأكبر فتعرفان السبب . فقبلا . و كانت ربة المنزل تلبي رغبة زوجها تارة , و تارة تتجاهل طلباته . مر ّة تظهر مهذبة , و أخرى فظـّة وعند الصباح ذهبا إلى منزل الأخ البكر , فوجدا أن لحيته سوداء فاحمه على الرغم من بلوغه الثمانين , و لما استوضحاه السبب قال لهما : لا تعجبا أيها الدرويشان , امكثا عندي فتعرفا السبب . و كان هذا الأخ البـكر أفقر من أخوته , غير أن زوجته كانت تطيعه طاعة عمياء , فما أن يناديها
( يا امرأة ) حتى تجيبه ( أجل , أنا أمَتـُك فماذا تطلب ؟ ) و لما سألها إذا كان في المنزل ما يصلح للطعام , أجابت : كيف لا ؟ إن لدينا كل شيء , بيضاً و أرزاً و زبده , و عسلاً ! ... و بالفعل فقد هيأت وجبة طعام تليق ببيت الباشا نفسه , و حان وقت النوم , فسأل الزوج : هل لدينا أسرة ؟ فردت قائلة : نحن تحت ظلـّك ,ولدينا كل ما نحتاجه , و منزلنا مثل منزل الباشا . ثم خرجت إلى بيوت الجيران و عادت بكل ما يلزم للنوم . وقال المضيف لزوجته : يا امرأة , هذا المساء لدينا ضيوف , و لا يليق أن ننام مع بعضنا , فلنفترق . فأجابته : (كلا ! إن الدرويشين أهل لنا , و أنت تعرف أني أفضل الموت على أن أنام بعيدة عنك ) ولما جاء الصباح , سأل الباشا مضيفه عن( أفضل امرأة ) فقال لـه : إنها بالطبع امرأتي , فهي تعمل المستحيل لكي تريحني من كل همّ , وتتمـّون من كل ما نحتاج إليه فلا نخجل تجاه الضيوف ,و إذا ما نقصنا شيء استعارته من الجيران . إنها تحبني , والهرم لا يمكن أن يدخل حياتنا . و عند ذلك أدرك الباشا معنى كلام عيسو , و أطرى عليه و كافأه , كما أنه أسبغ الثراء على الأخ البكر , و حمل الأوسط على الطلاق من زوجته , و زو ّج الأخ الأصغر من امرأة ثانية .
و يتضح للقارئ من كل ما سبق ذكره أن الأسرة الكردية أقرب إلى المفهوم الغربي من الأسر التركية و الإيرانية , و ذلك لما تتمتع به المرأة الكردية من مكانة . فعدا عن أنه يندر تعد ّد الزوجات في هذه الأسَر , فإن المرأة تتولى إدارة المنزل والخدم , وهي التي توزع الطعام على أفراد الأسرة , و لا يمكن لأحد أن يبدأ الأكل بدون إذنها . و في غياب الرجل تستقبل هي الزو ّار وتضيفهم , و تتحدث بحرية إليهم , و لا تخبئ وجهها كما تفعل غيرها من النساء في بعض بلدان الشرق .