بسم الله الرحمن الرحيم الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيدنا ونبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين. ورد في صيام عاشوراء أحاديث كثيرة منها:
ما رواه مسلم وغيره عن أبي قتادة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "صوم يوم عرفة يكفر سنتين: ماضية ومستقبلة، وصوم يوم عاشوراء يكفر سنة ماضية".
وقد اقتضت حكمة الله سبحانه أن يكون بنو آدم خطائين، واقتضت رحمته أن يتيح لهم مكفرات شتى تغطي الخطيئة وتمحو أثرها، من صلوات وصدقات وحج وعمرة وغيرها من الحسنات: {إن الحسنات يذهبن السيئات}، وقال رسوله الكريم: "وأتبع السيئة الحسنة تمحها".
والصيام من أعظم المكفرات للذنوب لما فيه من ترك الشهوات، ومجاهدة النفس وتضييق مجاري الشيطان الذي يجري من ابن آدم مجرى الدم.
وليس من حق العبد أن يستكثر على ربه تكفير ذنوب سنة أو سنتين بصوم يوم واحد، فإنه تعالى واسع الفضل والجود، واسع المغفرة والرحمة، "قَالَ عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ".
والحديث الذي معنا أطلق التكفير، ولم يقيده بالصغائر، ولكن جماعة من العلماء قيدوه بها، وقد يؤيدهم في ذلك حديث أبي هريرة في صحيح مسلم: "الصلوات الخمس، والجمعة إلى الجمعة ورمضان إلى رمضان، مكفرات ما بينهن إذا اجتنبت الكبائر". فإذا كانت هذه الحسنات العظيمة يشترط للتكفير بها اجتناب الكبائر، فأولى أن يكون هذا الشرط ملحوظا في صيام عاشوراء. قال الإمام النووي: "فإن لم تكن صغائر كفر الكبائر، فإن لم تكن كبائر كان زيادة في رفع الدرجات".
المتتبع للأحاديث المروية في صيام عاشوراء يرى أن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصوم هذا اليوم قبل الهجرة، بل كانت العرب في الجاهلية تصومه وتعظمه، وتكسو فيه الكعبة، وقيل: إنهم تلقوا ذلك من الشرع السالف. وروي عن عكرمة أن قريشا أذنبت ذنبا في الجاهلية، فعظم في صدورهم، فقيل لهم: صوموا عاشوراء يكفر ذلك عنكم. إذن، فالنبي عليه السلام لم يبتدئ صومه في المدينة، ولم يصمه اقتداء باليهود، وإنما قال ما قال: "نحن أحق بموسى منكم" وأمر بما أمر، تقريرًا لتعظيمه وتأكيدًا وتعليمًا لليهود أن دين الله واحد في جميع الأزمان، وأن الأنبياء إخوة وضع كل منهم لبنة في بناء الحق، وأن المسلمين أولى بكل نبي ممن يدعون اتباعه. ففي يوم عاشوراء كان هلاك لفرعون وانتصار لموسى فصامه موسى شكرا لله.
هذا إلى أن عاشوراء يوم ميمون تحقق فيه أكثر من انتصار للحق على الباطل، وللإيمان على الكفر، فقد أخرج أحمد عن ابن عباس أن السفينة رست على الجودي فيه، فصامه نوح شكرًا لله تعالى